Fourni par Blogger.

samedi 15 juin 2013

تنظيم النقل الطرقي وتنظيم المجال بموريتانيا؛ نظرة عامة

بواسطة : Unknown 09:32

بقلم سليمان ولد حامدن/ مدون وأستاذ باحث

عرفت كافة مكونات منظومة النقل الطرقي بموريتانيا تطورا متشابها -إلى حد ما- منذ الاستقلال، سواء في ذلك التطور الكمي والتوزيع المجالي لشبكة المسالك أو الطرقات المعبدة، ولأدفاق المواد والركاب، ووسائل النقل الطرقي ومشتغليه.   
وهكذا انتقلت شبكة النقل البري من دروب تجارة القوافل التي عرفتها المنطقة خلال الفترة الوسيطة, إلى شبكة المسالك الاستعمارية والتي مثل الطريق الإمبريالي -كأول مسلك مهيأ في البلاد- أهمها. وتميزت سنوات الاستقلال الأولى بتحسين محاور  ترابية بين بعض التجمعات السكانية.
ونلاحظ أن التموضع العام لشبكة النقل البري قد انتقل من مسالك ذات اتجاه شمالي-جنوبي أثناء فترة التجارة الصحراوية، وإبان الاستعمار تغير توجيه خطوط النقل صوب الجنوب الغربي من البلاد التي كانت تعتمد على ميناء دكار في تجارتها الخارجية، وعلى مدينة سانت لويس في إدارتها.
وبينما ظهرت أولى الطرقات المعبدة بعد الاستقلال بسبع سنوات ممثلة في تعبيد أجزاء الطريق الإمبريالي المحاذية للعاصمة نواكشوط, بهدف ربطها بميناء دكار وبالمناطق الزراعية الجنوبية. فقد مثل بناء طريق الأمل انقلابا حقيقيا في شبكة النقل البري في موريتانيا حيث أعاد تشكيل الشبكة وتوجيه الادفاق، حيث أصبحت المحاور ذات اتجاه غربي-شرقي، وحقق مرتنة قطاع النقل الطرقي من خلال قطع التبعية الاقتصادية لدكار.
 كما أسهم بناء طريق الأمل في تسريع حركة الهجرة الريفية نحو العاصمة نواكشوط، التي أصبحت بفضله على ارتباط بالولايات ذات الثقل السكاني في جنوب وشرق البلاد، وهو توجه تعزز مع بناء الطرقات الأخيرة التي لم تكن بعيدة في أهدافها عن تلك التي أنشئ لتحقيقها طريق الأمل حيث كان حضور الأغراض السياسية واضحا في أغلبها.
وفضلا عن تطور تموضعها وانتشارها المجالي فقد عرف تقسيم وحجم شبكة النقل البري في موريتانيا تطورا مشابها، حيث تقسّم اليوم حسب أهميتها إلى طرقات وطنية وجهوية ومحلية، وتتوزع حسب نوعيتها إلى طرقات معبّدة وأخرى محسّنة ومسالك ترابية. ولقد تطور حجم الطرقات المعبّدة من أقل من 1 % سنة 1968 إلى حوالي 20% سنة 2000، بينما لا تزال المسالك الترابية تمثل أكثر من 70 % من الشبكة الكلية.
أما الدراسة الكمية والطوبولوجية لشبكة الطرقات فتبين أنها لا تستجيب لأبسط معايير الكفاءة، فهي غير مترابطة وهو ما يعني قلة كفاءتها. كما تبرز التباين الواضح في درجة مركزية العقد المكونة لها (المدن). وتؤكد على مكانة العاصمة نواكشوط بين هذه العقد، رغم وقوعها في أقصى غرب البلاد، وينتظر مع توسع الشبكة تعزيز مركزية بعض المدن الأخرى مثل "ألاك" و"مقطع لحجار" اللتين أوضحت المؤشرات المطبقة احتلالها المراتب الأولى. ويبين تحليل خطوط شبكة النقل الطرقي بموريتانيا عدم كفايتها، وإن كان مؤشر الانعطاف يشير إلى استقامة العدد الأكبر من الطرقات.
ومن ناحية أدفاق ووسائل النقل الطرقي فقد حال غياب إحصائيات مفصلة دون المعرفة الدقيقة للتوزيع المجالي والنوعي لأدفاق المواد والمسافرين، وكذلك الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لمستعملي النقل الطرقي. لكنه وبفضل بعض الدراسات السابقة أو الصادرة عن مكتب الشحن بالمحطة الطرقية بنواكشوط و الاتحادية الوطنية للنقل، وكذلك بفضل المعلومات المستقاة من استماراتنا الميدانية واستبيانات الإدارات والمصالح المعنية بالنقل الطرقي. أمكننا رسم صورة ولو جزئية حول المميزات النوعية والمجالية لأدفاق ووسائل النقل الطرقي.
فالحركة الطرقية تتميز عامة بتواضع حجم الأدفاق المتركزة أساسا حول العاصمة نواكشوط، وبسيادة السيارت الخفيفة. أما توزيع أدفاق المسافرين فيظهر ثلاثة مجالات يتميز أولها بكثافة الحركة به نسبيا، ويمثله مثلث نواكشوط-كيفة-سيلبابي الذي يضم حوالي ثلاثة أرباع السكان. أما المجال الثاني فهو ذو حركة متوسطة وتمثله ولايتا الحوضين، فيما يشكل شمال البلاد مجال حركة المسافرين الضعيفة. وتبين دراسة خصائص المسافرين سيادة الفئات الشابة والمتعلمة، لذلك كان غرض التعليم وقضاء العطلة أهم دوافع انتقال الركاب المسافرين بمعدل مرتين سنويا.
وتميز تطور التوزيع المجالي لأدفاق المواد بتزايد أهمية محور الأمل، خاصة مع بناء ميناء الصداقة والأزمة مع السنغال، واليوم فإن أهم الأدفاق المنقولة انطلاقا من نواكشوط نحو الداخل تسلك هذا المحور، وتتألف أساسا من السلع والبضائع المستورة الموجهة للاستهلاك المحلي، وتعرف الفترة من مايو إلى أغشت أهم عمليات النقل.
كما يخضع التوزيع النوعي والمجالي للأدفاق الداخلية بين الولايات، أو المنقولة صوب العاصمة نواكشوط، لتأثير التنظيم العام للمجال الموريتاني من حيث تأثره بتوزيع المناطق الاقتصادية الكبرى وضرورات التكامل فيما بينها.
ومن ناحية وسائل النقل الطرقي عرفت أعداد السيارات تزايدا كبيرا رافق توسع الشبكة الطرقية وازدهار سوق السيارات المستعملة، حيث تضاعفت ثلاث مرات بين سنتي 1986 و1996، وكان أكبر تزايد في صنف السيارات الخصوصية التي تمثل حاليا حوالي 90 % من الأسطول الوطني، رغم أنها لا تزال في حدود سيارة واحدة لكل 64 شخصا.
ويبين التوزيع المجالي لكل من السيارات والعاملين في قطاع النقل والمواصلات استحواذ مدينة نواكشوط ونواذيبو بدرجة ثانية وولاية الترارزة على أهم النسب المسجلة.
أما التوزيع العمري والجنسي والمميزات الاقتصادية للعاملين في النقل الطرقي فتوضح أن مهنة النقل هي مهنة رجالية –إضافة إلى كونها حضرية- يمارسها غالبا المتزوجون ممن هم بين 25 و44 سنة، والذين يعيلون في المتوسط 10أفراد. إلا أن الدخل اليومي لهؤلاء لا يسمح لهم بتجاوز خط الفقر، خاصة وأن ثلثهم لا يملكون سيارة للنقل خاصة بهم وإنما أجراء أو شركاء.     
وإذا كانت دراستنا لشبكة وأدفاق ووسائل وعمال القطاع قد بينت عدة اختلالات على مستوى كفاءة وتوزيع الشبكة الطرقية، والوضعيتين الاقتصادية والتقنية للناقلين وسياراتهم، فإن ذلك يعود إلى السياسات التي كان القطاع موضعا لها والتي كان لها دور ما في حالته الراهنة، سواء في ذلك السياسات المتعلقة بسير النقل أو بشبكة الطرقات.
   إن البحث في السياسات التي اعتمدتها الدولة الموريتانية في تنظيم النقل الطرقي وتوسيع وصيانة شبكة الطرقات، يوضح اعتماد هذه السياسات على خطط وبرامج أعدت في غياب دراسات شاملة وهو ما أدّى إلى الحد من نجاعتها وفاعليتها.
     وهكذا لم تكن هناك سياسة واضحة في ميدان النقل الطرقي غداة استقلال البلاد، بسبب ضآلة الموارد المالية والبشرية للدولة الناشئة، كما لم ترث هذه الأخيرة عن الاستعمار بنية تحتية أو تنظيمية يمكن الانطلاق منها. وكان إنشاء المكتب الوطني للنقل البري، الذي استبدل فيما بعد بالمكتب الوطني للنقل العمومي، ووضعه تحت رقابة الدولة، أول خطوة نحو مركزة النقل واحتكار المؤسسات العمومية له.
   ولم تتمكن المؤسسات الحكومية -لقلة مواردها المالية وسوء تسييرها- من الاستجابة للطلب المتزايد على خدمة النقل الطرقي، مع اتساع ظاهرة التحضر والاستقرار والتوسع النسبي لشبكة الطرقات، مما أدى إلى ما عرف نهاية السبعينات وبداية الثمانينات بأزمة النقل في موريتانيا، التي تجلت في الاستعانة بسيارات من دول الجوار (السنغال)، وحتى اللجوء أحيانا إلى استخدام الطائرات لإيصال البلدات النائية والمعزولة، مع ما يعنيه ذلك من تكاليف مادية باهظة.
      لحل هذه الأزمة وفي ظل سياسة الليبرالية الاقتصادية التي اعتمدتها البلاد منذ منتصف الثمانينات، تمّ فتح ممارسة النقل الطرقي أمام القطاع الخاص الذي بدأت مشاركته محتشمة وغير منظمة قبل ظهور الاتحادية الوطنية للنقل، التي استطاعت -وبعد حسم التنافس على رئاستها- استصدار عدة نصوص تضمن سيطرتها شبه التامة على القطاع، وحتى بعد صدور مقرر 1998 القاضي بتعدد اتحاديات ومركزيات الناقلين، ظلت الاتحادية الوطنية للنقل هي المسير الوحيد لنشاطات القطاع إلى أن تم حلها بعد انقلاب 3 أغسطس 2005
    ولم تكن الاتحادية لتصل إلى ذلك المكسب لولا تعاون الجهات الحكومية المعنية، وإن كنا لاحظنا تعارضا في الأهداف والاستراتيجيات بين الطرفين تجلى في اعتراض الاتحادية على الإعفاءات التي تتمتع بها مؤسسات شبه حكومية، وفي اختلاف النظرة إلى الأمور المتعلقة بالأسعار والضرائب التي تشكل مركز رهان الفاعلين الأساسيين. في ظل غياب أي تمثيل لمستهلكي خدمة النقل الطرقي.
    بسبب تركيز الناقلين على تحقيق أسعار مربحة، واهتمام الجهات الحكومية بجباية الضرائب والرسوم، في ظل غياب أي دور للبلديات، لا تقتصر مظاهر أزمة النقل الطرقي على قصور إطاره التنظيمي، وتقادم الأسطول الوطني، وعدم مراعاة السلامةالمرورية، وبطئ عملية النقل لكثرة نقاط المراقبة والتفتيش وتردي حالة الطرقات. وإنما تتجلى كذلك من خلال الاحتكار الذي تمارسه الاتحادية الوطنية للنقل -بتعاون من الجهات المشرفة- وهو ما يقلّل من هامش الاختيار أمام المستهلك، ويتسبب في ارتفاع مذهل لأسعار النقل خاصّة باتجاه المناطق الداخليّة الأكثر عزلة.
    من جهة أخرى لا تجد النصوص التشريعيّة والتنظيميّة للنقل الطرقي تجسيدا لها على صعيد الواقع, إلاّ من حيث جوانبها الماليّة المتعلّقة بالضرائب والرسوم, وحتّى هذه الناحية لا يتمّ تطبيق قواعدها بالمساواة بين الناقلين. فضلا عن غياب تحديد واضح لمهام ومسؤوليات الفاعلين.
    كما يلاحظ غياب كبير للوعي بالقواعد التشريعيّة والتنظيميّة للنقل الطرقيّ, لا فقط لدى الناقلين، وإنّما أيضا عند بعض المعنيّين بتسيير الهيئات المشرفة والعاملة في الميدان.
    وهي وضعية تستدعي اليوم اتخاذ جملة من الإجراءات لعل أهما وضع مجلة وطنية للطرقات، واستكمال الإطار القانوني المنظم للقطاع، وإعادة تنظيم المهنة،وتجهيز المحطات الطرقية، وتجديد الأسطول الوطني للسيارات.
ومن ناحية السياسات المعتمدة لتطوير شبكة الطرقات -كأحد مظاهر تنظيم النقل الطرقي- فقد ظل انخفاض المستوى المادي للسكان وتشتتهم، وما ينجر عن ذلك من ضعف الحركة وتواضع الأدفاق، أهم معوقات توسيع الشبكة وتطويرها, فهو لا يشجّع من الناحية الاقتصادية على بناء طرقات معبّدة ذات كلفة عالية.
   ولقد ألجأت التكلفة المرتفعة لبناء وتهيئة شبكة طرقات معبّدة البلاد إلى الاعتماد على التمويلات الأجنبيّة، ممّا أدّى إلى ارتفاع المديونيّة الخارجيّة التي أضحت تثقل كاهل الميزانيّة.
ومع ذلك تميزت المكانة الممنوحة لتطوير شبكة الطرقات بالتباين بين خطط وبرامج التنمية المختلفة، وهو ما تجلى في اختلاف حجم الاستثمارات المخصصة لها. فبينما اتسمت الخطط التنموية الأربع الأولى (1963-1985) بالطموح السياسي الكبير نحو بناء شبكة طرقات عصرية، دون أخذ الكلفة المالية المترتبة على ذلك بعين الاعتبار، كان السعي إلى تقليص النفقات العمومية الطابع المميـز لبرامـج الإصلاح الهيكلي اللاحقـة (1985-1991). ووقع التركيز على صيانة البنية الطرقية أثناء البرامج الاستثمارية الأخيرة (1994-2001) والتي أسهمت أيضا في بناء طرقات جديدة.
لقد سجلت قيمة استثمارات البنى الطرقية تزايدا ملحوظا بين الخطط التنموية منتقلة من 12% خلال المخطط الأول (1963-1966) إلى 15% فـي الثانـي (1970-1973) لتبلغ حوالي ثلث الاستثمارات أثناء الخطة الثالثة (1976-1980) وهي أكبر حصة حظي بها القطاع بين خطط وبرامج التنمية الموريتانية.  قبل أن يؤدّي تطبيق سياسة الإصلاح الهيكلي، وما تمليه من تخفيض النفقات العموميّة، إلى محاولة إشراك القطاع الخاص في أعباء تسيير وصيانة بنى النقل بوجه عام، وخاصّة صيانة الطرقات بعد أن عجزت الدولة عن القيام بذلك.
وهكذا لم تتعدّ نسبة استثمارات البنى الطرقية في أحسن الحالات أقل من خمس الاستثمارات الكلية، لذلك لم تزد مساهمة برامج الإصلاح الهيكلي (1985-1991) في إثراء الشبكة الوطنية على 100 كلم معبدة، كما كانت أعمال الصيانة المقام بها دون المستوى. وكان بعث اللجنة البيوزارية المكلفة بإعداد ومتابعة ومراقبة برنامج عمل السياسة الطرقية سنة 1991 أهم إنجاز في هذا المجال.
أما برامج الاستثمار العمومي المعتمدة منذ التسعينات فقد حاولت الموازنة بين ضرورة صيانة الشبكة الطرقية وتوسيعها، وهكذا خصص حوالي ثلث استثمارات البرنامج الثلاثي (1994-1996) لقطاع البني الأساسية وخاصة منها الطرقية التي تمت إعادة تأهيل جزء هام منها. بينما أسفرت المشاريـع المنفذة خـلال الاستراتيجية التنموية (1998-2001) عن إيصال ولايتي آدرار وتكانت الصحراويتين، كما مهدت لربط الشبكة الموريتانية بنظيرتها المالية.
أما سياسة تهيئة شبكة الطرقات وصيانتها، فكانت تندرج في إطار المرحلة الثانيـة من المخطط الوطني للنقـل (2003-2007)، وتسعى إلى ضمان النقل بأمان وبأقل تكلفة للأشخاص والبضائع على امتداد المجال الوطني، وتشجيع تهيئة منسجمة لهذا المجال عبر تطوير ترابط مناطقه ذات الإمكانيات الاقتصادية، وتعزيز اتصاله الخارجي، وإشراك رأس المال الوطني الخاص في تسيير وصيانة البنى الطرقية.
إلا أن ارتفاع كلفة بناء وصيانة المشاريع الطرقية، قد تقف حائلا أمام مشاركة واسعة للقطاع الخاص غير القادر على تمويل مشاريع مكلفة، والساعي إلى الربح السريع. لذلك تبقى الدولة هي المتدخل الأهم والأقدر على تولي أعباء شبكة الطرقات، وهو ما يستدعي إعادة النظر في سياسات الهيآت الحكومية المتعلقة بالبنى الطرقية، بشكل يسمح بالتنسيق المحكم بين هذه الهيآت للحد من تشتت الجهود الملاحظ حاليا.
لقد مثل مدّ الطرقات المعبدة إذن إحدى أهم الوسائل التي استخدمتها الدولة الموريتانية من أجل تهيئة مجالها وإعادة تنظيمه. وكان التوزيع المجالي لتلك الطرقات عاملا أساسيا في إعادة توزيع أدفاق الحركة الطرقية، وتغيير الصورة العامة لانتظام المجال.              
حيث تميّز التطور الحديث لتنظيم المجال الموريتاني بانتقال أقطابه صوب مدينة نواكشوط والمنطقة الجنوبية وحول طريق الأمل. حيث نجم عن التطور الذي حصل في نظام النقل تغيير عام لمعايير المردودية بحيث فقدت بعض المسالك التقليدية أهميتها وفقدت المراكز الواقعة عليها الكثير من حيويتها التجارية.
    في المقابل تعززت مكانة بعض المدن الواقعة على المحاور الطرقية الجديدة خاصة منها تلك التي أضافت إلى الوظيفة التجارية وظائف أخرى سياسية وخدمية مثل العاصمة نواكشوط التي أصبحت اليوم المركز الاقتصادي والسياسي الأول في البلاد الذي يستقطب -بفضل منظومة النقل الحالية- مختلف أطراف المجال.
لقد نجم عن هذا التحول -إضافة إلى ما يترتب عن السياسات الراهنة لتنظيم النقل الطرقي- بروز العديد من الإشكاليات والتباينات المجالية المرتبطة بدور النقل الطرقي في اشتغال المجال، لا تقتصر فقط على تهميش المناطق الريفية المهدّدة بهجرة سكانها نحو المراكز الحضريّة التي تنمو بمحاذاة المحاور المعبدة الرئيسية،  مما يتسبب في زيادة تركّز السكان والموارد الاقتصادية بالمجالات المركزية (نواكشوط) وشبه المركزية (عواصم الولايات), وتعزيز استقطابها، وإنما تتعلق أيضا بنتائج التوزيع اللامتكافئ لبنى وأدفاق النقل الطرقي.
وتتطلب التباينات المجالية الملاحظة على مستوى التكلفة المادية والزمنية للنقل التدخّل للتخفيف من آثارها الاقتصادية والاجتماعية على المناطق غير المستفيدة بشكل أفضل من التوزيع الحالي لبني وأدفاق النقل الطرقي, ولن يتم ذلك إلا من خلال إعادة تنظيم المجال الموريتاني، عبر إعادة تنظيم قطاع النقل الطرقي ذاته ومنحه مكانة أكبر في السياسات المجالية والتهيوية.
لقد اعتمدت الدولة في موريتانيا العديد من المخططات التهيوية، لكن تتبّع حجم وأهمية المكانة الممنوحة لبني النقل الطرقي ضمن تلك المخططات والبرامج يبيّن تأثرها بمسيرة عملية التهيئة ذاتها التي انتقلت الوصاية عليها بين العديد من الجهات الحكومية المختلفة في أهدافها واستراتيجيتها. حيث اختلفت المكانة الممنوحة للبنى الأساسية الطرقية باختلاف نظرة تلك المخططات والهيآت المسؤولة عنها إلى تهيئة المجال. وهكذا رافق تطور تهيئة المجال الموريتاني تغيّر في تلك المكانة، مما نجم عنه غياب عملية تهيوية ذات استمرارية وفاعلية تمكن من برمجة أفضل لمشاريع البنى الطرقية.
   وتوضّح الدراسات المتوفرة حول احتياجات المجال الموريتاني اليوم في مجال التهيئة, ضرورة منح الأولوية لتوفير البنى الأساسية وخاصة الطرقية بهدف تسهيل ترابطه واندماجه الاقتصادي الداخلي عبر ربط مناطق الانتاج بمجالات الاستهلاك، ولكن أيضا ضمن المجال الإقليمي والقاري بتسهيل التبادل.
إن تأدية النقل الطرقي لدوره في إعادة تنظيم المجال الموريتاني تتطلّب بدون شك تأهيل القطاع وتهيئته، من خلال توسيع الشبكة وإعادة هيكلتها بمنح الأولوية للربط المباشر بين الولايات الداخلية دون المرور بنواكشوط, وإحكام التصرف في البنى الأساسية القائمة, وحسن اختيار مواضع تلك الجديدة, بهدف تيسير النفوذية والضغط على الكلفة المادية والزمنية للنقل. وتحسين مستوى ونوعية الخدمة وتخفيف التباينات المجالية.

يمكننا القول إن مستقبل العلاقة بين تنظيم النقل الطرقي وتنظيم المجال بموريتانيا، سيشهد  تعزيز مكانة ودور النقل الطرقي –من بين أنماط النقل الأخرى- في تنظيم المجال. وذلك لعدة اعتبارات منها مرونته وانتشاره المجالي الكبير، وإحرازه على أكثر من 90 % من الاستثمارات الموجهة للنقل، واتساع المجال الموريتاني وتباعد أجزائه، فعلى المستوى الداخلي سيؤدي انتشار السيارة الخاصة –المستعملة غالبا- في ظل ليبرالية النقل وحرية الأسعار، إلى ازدياد المنافسة على السوق، وتعدّد المركزيات النقابية للناقلين، إذا رافق ذلك تطبيق شفاف للنصوص التنظيمية.
 كما سيتيح إنجاز التوسيعات المبرمجة لشبكة الطرقات الموريتانية استعادة البلاد لدورها التاريخي كحلقة وصل بين شمال إفريقيا وغربها. خاصة في ظل عولمة الاقتصاد، وانتشار التكتلات الإقليمية الكبرى، والتراجع التدريجي لأثر الحدود السياسية.
لمزيد من المعلومات يرجى مراجعة : سليمان ولد حامدن - 2003: نظيم النقل الطرقي وتنظيم المجال بموريتانيا، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الجغرافيا، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة تونس.

                   المصدر: مدونة الكناش الرقمي

Aucun commentaire :

Enregistrer un commentaire

تطوير : مدونة حكمات